الحملة الإعلانية دقة قديمة


الإعلان ليس علامة تجارية ولا يمكن تصنيف الترويج إلى "براندنغ"، فالعلامة التجارية بنيت بالخبرة والتجارب والخدمات المقدمة وقصص النجاح، سواء مع العملاء أو الموظفين في المنشأة، وما يقدمه أصحاب الحملات الإعلانية هو ربط علاقة بين العميل والعلامة التجارية، بالتماس ما يرغب به وما يتطلع إليه منها، وهذه ظاهرة ما زالت تحدث كثيرا في الكثير من الوكالات الإعلانية والأفكار التي يقدمونها لعملائهم، وهذا خلط بين الفكرة الإعلانية وبين "البراندنغ".




لو تأملت قليلا فيما يحدث في ورش العمل الإعلانية، وما يحدث في قاعات الاجتماع بين الوكالة الإعلانية وعملائها، لوجدت أن مجمل الحديث يدور حول كيفية ظهور المنتج في التصميم وطريقة التشويق وإبراز أفضل الجوانب، والتماس نقطة الضعف في المستهلك أو المجتمع، والإشارات والاستفتاءات التي تحدد نجاح هذا الظهور، واستخدام تقنيات التصميم بأفضل طرقها، وأن الفكرة الإجمالية التي يظهر بها الإعلان تدور حول شكل ظهور العلامة التجارية والمنتج في التصميم. وهذا ما أستطيع أن أشبهه بغثاء السيل وزبد البحر.

نحن في أمس الحاجة لبناء علاقة طويلة بين المنتج والمستهلك، بين العلامة التجارية والعميل، أن نجعله يعيش تجربة فريدة، بل أن يكتسب خبرة كافية واطلاعا شاملا لهذا المنتج أو هذه العلامة التجارية، في وقت لم تكن الوكالة الإعلانية فيه إلا امتدادا لعلامة تجارية هادفة ورؤية تترجم لنا رسالتها وتسمعنا صوتها وتوصل لنا أفكارها. ولم تكن الحملة الإعلانية إلا وسيلة إقناع تخبر عن منتج فريد أو تغيرات جديدة، وأداة جذب تدفعنا للتفاعل معها.

من هنا يتكهن خبراء "البراندنغ" بانقراض الوكالات الإعلانية في المستقبل القريب، ولن يكون هناك ما يسمى بالإعلان أوالحملات الإعلانية، فهناك أبحاث تخبر بأن العلامة التجارية الآن تعيش أكثر قوة من أي وقت مضى، فهي حديث الساعة، ومحل اهتمام جميع إدارات المنشأة. ومع التقدم السريع وما شهدناه من تطورات حضارية وتكنولوجية في القرن الواحد والعشرين يتضح لنا بأن العلامة التجارية في المستقبل القريب لن تكون ذات امتدادات ضيقة وقنوات اتصال محددة - في الوقت التي ما زالت تقف بعيدا عن نطاق وسائل الاتصال بين العلامة والعميل - بل ستتحول إلى عالم أكثر انفتاحا ورؤية أكثر شفافية في عالم تتنوع فيه أشكال الحياة وأسلوب التواصل الاجتماعي وتعدد الاهتمامات وتغير الظروف والتقلبات السريعة للأحداث.

عالم تلعب فيه كلمة ما صدرت من شخص ما دورا كبيرا في تأثير العلامة التجارية، ويعد النقاش الصغير في المجالس وفي الشبكات الاجتماعية حدثا هاما يعكس صورتها، مما يدفعنا للحرص أكثر على الشفافية والصدق والوضوح أكثر من أي وقت مضى، ومساعدة الجميع لاتخاذ قرارات واضحة بقدر من المعلومات تجعله مطلعا واعيا مدركا لهذه العلامة وأهميتها في حياته واحتياجاته.

وإن صدق هذا التكهن، فهناك تحولا هائلا سيحدث لدى الشركات وأهدافها الترويجية وكيفية تحديد ميزانية التسويق، ويدفع بالتساؤل هل حقا هي بحاجة لصرف هذا الكم الهائل من الأموال كل عام لأجل التسويق والحملات الإعلانية في وقت أصبح فيه الترويج الذاتي من قبل المستهلك ونقل تجربته وخبرته تجاه هذه العلامة التجارية أعظم قيمة وأهم جدلا (للطرفين) أكثر من أي وقت مضى. يدفعنا هذا إلى أن نصنف الحملة الإعلانية -قريباً- إلى أنها (دقة قديمة) وعهد مضى وقصة تروى وأثر قد ولى وأم ماتت بعدما أنجبت لنا شكلا جديدا من أشكال الاتصال يسمى "الانفتاح".

تعليقات